الثلاثاء ٢٣-٤-٢٠٢٤

ما الدافع وراء ما قامت به أمريكا من التغطية على الهجمة المفترضة من إسرائيل رداً على هجمة إيران على إسرائيل إنتقاماً من قصف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق؟
بعد عدة أيام كل الأخبار تؤكد أنه لم تكن هناك ما يمكن تسميته بهجمة إسرائيلية على إيران غير في مخيلة الإدارة الأمريكية وفي الإعلام الغربي الذي مازال يعتقد أنه يمكنه إختلاق أحداث يصدقها العالم أجمع لأنه هو الإعلام الأوحد المسيطر على العالم. ولكن الإعلام البديل أظهر القدرة على فضح كل ألاعيب الإعلام المؤسسي وبدأت كل أكاذيب النخبة الحاكمة تكشف وتفضح عالمياً.
لماذا لا تريد أمريكا الدخول في حرب ساخنة مع إيران؟ بالرغم من وجود دراسات مستفيضة عن الأساليب التي يمكن لأمريكا إستخدامها لجر إيران إلى الحرب وحيث يمكن إتهام إيران ببدئها. وبالرغم من وجود الكثير من الصقور في الإدارة الحالية ، وحتى في الحزب الجمهوري ، الشغوفين لمحاربة إيران؟ فلماذا قامت أمريكا بمثل هذه التمثيلية المكشوفة لتهدئة الأوضاع بين إسرائيل وإيران عندما سنحت الفرصة لضرب إيران تماماً كما كانت خططت أمريكا منذ أعوام طويلة؟ هل الموضوع كله يتمحور حول الانتخابات؟ مثلما وضع أوكرانيا يؤثر عليها؟
يبدو أن هناك عامل آخر بالنسبة لأمريكا يملي عليها التريث في الإنخراط في حرب ساخنة مع إيران الآن. وهذا العامل قوي بالدرجة التي تحتم على أمريكا أن تحاول تلجيم إسرائيل بالنسبة للهجوم على إيران. والموضوع في نهاية الأمر يعود للإنتخابات ، لكن هذه المرة ياخذ طريق خطير قبل أن يصل للإنتخابات.
إدارة بايدن تجد نفسها في مازق غاية في الصعوبة بالنسبة للقوة الوحيدة في العالم. ولكن يصبح أكثر صعوبة عندما تدرك أن هناك من ينافسها من قوى عالمية أخرى ، مثلما تفعل الآن كل من الصين وروسيا. والموقف الحرج الذي تجد أمريكا نفسها فيه هو الإنخفاض الغير مسبوق في احتياطي أسلحتها من كل نوع ، سواء هجومية أو دفاعية. وهذا الوضع نتيجة لما قامت به من سياسات خرقاء بالمساعدات العسكرية وبالاسلحة والذخائر لكل من أوكرانيا وإسرائيل. فبعد كل ما أرسلته من أسلحة لأوكرانيا خلال العامين الماضيين ، وإلى إسرائيل خلال الستة أشهر الماضية ، أصبح الإحتياطي من الأسلحة والذخائر ، وحتى الوقود ، في أدنى أحواله بالنسبة لأمريكا. ولذا كان الضغط الشديد من جميع النواب والشيوخ من كل من الحزبين ، على مايك جونسون لتمرير قانون ال٦١ مليار دولار لتسليح أوكرانيا وإسرائيل ، لكنه في حقيقة الأمر لإعادة ملئ مخازن القوات المسلحة الأمريكية بكل ما هو جديد وفعال من أسلحة وذخائر قد تحتاجهم أمريكا في القريب العاجل لو تورطت في الحرب إما مع إيران أو في حرب مباشرة مع أي من روسيا أو الصين ، أو في السيناريو الأسوأ ، التورط في الحرب معهما الإثنان.
إفتقار أمريكا للسلاح والذخيرة يرجع إلى العام الماضي عندما بدأت تقلل من الذخيرة والأسلحة التي تمد بها أوكرانيا. وكان نفس الوضع في الإتحاد الأوروبي. فالإثنين أغدقا أوكرانيا بالسلاح في أول الأمر ، وأهدرت أوكرانيا هذا السلاح مع الكثير من ارواح جيشها في عمليات غير مدروسة بعناية. وإنتهى الأمر إلى الوضع الذي نحن فيه اليوم.
أول تلميحات عن وجود مشكلة لدي أمريكا والغرب في توفير الذخيرة ظهر في منتصف ٢٠٢٣ ، عندما بدأت أوكرانيا تطالب بإلحاح بالقذائف من عيار ٥٥ مم ولم تجد من يوردها لها. ولكن سرعان ما غطى على ذلك الإعلام الغربي وبدأ في توجيه الإتهامات لروسيا أنها هي التي تنفذ ذخيرتها. وهذا تصرف نمطي عند الغرب وهو أتهام العدو بما فيهم وما ينقصهم وما يقترفوه.
وبدأت بعض البرامج على اليوتيوب والإعلام البديل وخصوصاً المنصات الحرة أن تتتبع بشكل دقيق كل الأسلحة والذخائر التي تورد لأوكرانيا ، ووجد آنّه هناك نقص ليس في هذا النوع من الذخائر فقط بل وأيضاً في أنواع مختلفة من الصواريخ سواء هجومية أو دفاعية. أي أن تسليح أوكرانيا بدأ يقل وهذا لعدم وجود الأسلحة والذخيرة الكافية لمواجهة الجيش الروسي الذي حول إقتصاده إلى إقتصاد حرب وكرّس أولوياته الأولى للمجهود الحربي.
الفارق بين روسيا والغرب في هذا المجال هو أن في روسيا صناعة الأسلحة والذخيرة هي صناعة حكومية وليست صناعة يقوم بها القطاع الخاص كما يحدث في الغرب. ولذا فالتصنيع الحربي يخضع للحكومة والمصانع تعمل بأوامر الحكومة. أما في أمريكا فلا تعمل المصانع الحربية إلا بعد إبرام عقود مع من يريد السلاح وبعد تقديم المقدم من المال لتبدأ المصانع في إنتاج الأسلحة المتعاقد عليها.
وهناك فارق آخر بين الشرق والغرب في نوعية الأسلحة. فالأسلحة والذخائر المصنعة في الشرق مثل روسيا والصين وكوريا الشمالية ، غالباً ما تكون سلاح واحد لنوع واحد من القتال. أي أن أي صاروخ له مهمة خاصة يقوم بها ولا يمكن قيامه بمهمة أخرى لآن هناك صاروخ آخر مصمم للقيام بها. فيكون إستخدام هذه الأسلحة والذخيرة إستخدام سهل لأنه يؤدي مهمة واحدة. وفي نفس الوقت يكون ثمنه معقول وعند خسارته لا يمثل خسارة مادية كبيرة ولا حتى خسارة عسكرية كبيرة ، لأنه نوع واحد من الصواريخ. أما بالنسبة للأسلحة الغربية فهي غاية في التعقيد والحداثة ويستخدم فيها أحدث التكنولوجيا والشفرات الإلكترونية وأسلوب التحضير والإستخدام المعقد الذي يحتاج إلى تدريبات مطولة ومركزة ولعدد كبير من الأفراد للقيام بكل المهام التي يمكن لهذه الأسلحة القيام بها. فيمكن لصاروخ واحد أن يقوم بعدة أعمال من كونة صاروخ ضد المدرعات أو يوجه ضد الطائرات أو حتى لصيد صواريخ أخرى من أنواع مختلفة. وكل هذا يزيد من تعقيد هذا السلاح ويزيد من تكلفته وعندما يتم تدميره تكون الخسارة كبيرة لأنه يتم تدمير عدة أنواع من الأسلحة في سلاح واحد.
وكان تعقيد الأسلحة الغربية بهاذا الشكل هو العامل الأكبر في عدم قدرة توريدها لأوكرانيا لأن الجنود الأوكرانيين لم يكونوا مدربين عليها ويصعب جداً تدريبهم عليها في وقت قصير كي يستخدمونها في القتال. ولذا بدأنا نرى “المرتزقة” من دول الناتو المختلفة “يتطوعون” في الجيش الأوكراني لاستخدام هذه الأسلحة في الحرب مع روسيا. ثم ظهرت مشكلة ثانية بالنسبة لهذه الأسلحة ، إذ أنها في غاية التعقيد ويستخدم فيها أحدث التكنولوجيات الحربية بحيث لو تعطل أو دمر جزء منها لابد من إعادتها للمصنع ليتم استبداله بواحد جديد لتعمل مرة أخرى. وهذا يعني تكلفة باهظة وتعطيل لعدة أنواع من الأسلحة في سلاح واحد ، وعدم القدرة على إصلاحه في الميدان والعودة للخدمة السريعة. وكل هذه عيوب وليست محاسن كما وضح في الإستخدام في الحرب مع روسيا في أوكرانيا. ولذا بدأت روسيا تتفوق في الحرب وتنتصر. وبدأت المشاكل العميقة تظهر للسطح بالنسبة للغرب ككل.
فالغرب لم يكن مدرك إلى أي مدى قد أنحرف في نوعية الأسلحة المطلوبة في الحرب اليوم. وحرب أوكرانيا أظهرت الكثير من التطورات التي ستغير من الحروب القادمة طالما لا يستخدم فيها السلاح النووي المدمر للبشرية.
أظهرت هذه الحرب أن نوعية الأسلحة الأكثر تأثيراً هي المسيرات بدون قائد من الأنواع الطائرة والمائية وأن إستخدامها من جانب الروس والشرق عموماً يكبد العدو الغربي الكثير من الخسائر المادية ، وذلك لأن هذه المسيرات رخيصة الثمن نسبياً للصواريخ التي تستخدم لإيقافها. فالمسيرة الواحدة قد تتكلف من ٢-١٠ الاف دولار ، لكن الصاروخ المضاد لها يتكلف فوق المليون دولار. ولا يستخدم صاروخ واحد بل عدة صواريخ للتأكد من إصابة المسيرة. ولذا نجد أن الحرب في أوكرانيا أخذت منحى مختلف مع دخول المسيرات فيها فأصبحت روسيا قادرة على قصف الأسلحة الغربية باهظة الثمن وبدون تكلفة تذكر للروس. وهذا كان واضحاً بجلاء أيضاً في الهجمة الإيرانية على إسرائيل حيث الإحصاء الأخير لتكلفة إسقاط المسيرات الإيرانية من كل من إسرائيل وأمريكا وبريطانيا تكلف فوق ٣ مليار دولار في حين لم تتكلف كل المسيرات الإيرانية ٢ مليون دولار.
وهذه معادلة صعبة جداً بالنسبة للغرب الذي بدأ يعي آنّه غير مستعد لنوعية الحرب الحديثة وأن أسلحته ليست من النوعية ولا الكمية التي تساعده في الانتصار في أي مواجهة عسكرية ساخنة مع أي من الدول الشرقية.
وواحد من أهم الأسباب التي أدت إلى تمرير القرار في الكونجرس بمنح مساعدات ب٦١ مليار دولار لأسلحة مفروض أنها لأوكرانيا وإسرائيل هى أن أمريكا أيقنت أنها الآن في وضع خطير حيث إحتياطي أسلحتها لا يكفي إحتياجاتها ، ناهيك عن تغطية إحتياج كل من أوكرانيا وإسرائيل. ولذا قامت بتمرير هذا القرار لتبدأ مصانع الشركات الخاصة لإنتاج الأسلحة في الإنتاج كي يصل لمخازن أمريكا ما تحتاجه من سلاح لنفسها في أقصر وقت ممكن وغالباً لن يقل عن سنتين. ولذا أيضاً ضغطت على إسرائيل كي لا تُصَّعِد في التوتر مع إيران لأن أمريكا لن تتمكن من مساعدة إسرائيل في مثل هذه الحرب.
هناك تغير آخر في أسلوب الحرب الحديثة والذي أدى إلى قلب الموازين. فنجد القوى المفروض أنها الأضعف قد تحصنت تحت الأرض أو داخل الجبال في البلاد التي لديها جبال تحميها مثل إيران واليمن ، والتي ليس لديها جبال وأخذت لنفسها حماية في أنفاق تحت الأرض مثل حماس وحزب الله. وفي كل هذه الحالات نرى أن من يفترض أنهم الأضعف هم الذين ينتصرون في هذه الحرب الغير متكافئة. فالأسلحة والعتاد الأكثر حداثة لا يستطيع أن يصل لهؤلاء في أماكن احتمائهم التي تحميهم من هذه الأسلحة. ولكنهم يمكنهم الخروج منها وفي الوقت والظروف التي يحددونها وينقضّوا على العدو الذي لابد أن يستخدم جنوده في مثل هذه الظروف ، وتكون النتيجة محسومة لمن يظن أنهم الأضعف لأنهم انتقوا أرض المعركة التي تعطيهم الغلبة. وهذا ما وضح جلياً في معركة غزة. ولذا كان رد إسرائيل الوحشي من قتل المدنيين للتغطية على خسارتها للحرب العسكرية. ولذا كل المحاولات لتحويل الأنظار من غزة إلى جبهة أخرى مثل إيران أو حزب الله.
الضغوط على الإدارة الأمريكية تتزايد مع إقتراب الإنتخابات ، وكل الإشارات تقول أن الفارق في شعبية بايدن أقل بكثير من شعبية ترامب مرشح الحزب الجمهوري. ولكن لا يمكن التكهن بنتيجة الإنتخابات القادمة لأن الحزب الديمقراطي لديه الكثير من الألاعيب في جعبته وقد يفوز بايدن بالإنتخابات بالرغم من كل هذه الظروف ومن تدني شعبيته بهذه الدرجة.
(١)
https://www.youtube.com/live/Ks5xtVM0NpY?si=XzO6UW5z3C8ZJKfO
حفظ الله العالم من الإشرار

رابط المقال
(١)
https://www.youtube.com/live/Ks5xtVM0NpY?si=XzO6UW5z3C8ZJKfO

انشر مقالاتي
على صفحتي على فيسبوك
https://www.facebook.com/aidaawadlovesegypt/
وعلي تويتر
‏https://twitter.com.AidaNAwad
وعلي الموقع الإلكتروني
‏aidaawad.wordpress.com
وعلى telegram
https://t.me/AidaAwadPage
وعلى MeWe
http://MeWe.com/join/aidaawad
وعلى إنستاجرام
https://www.instagram.com/p/CncUqAQrsuJ/?igshid=Zjc2ZTc4Nzk=
وجروب صوت مصر••••(اصدقاء الكاتبة عايدة عوض)
https://www.facebook.com/groups/180398856924599