الإثنين ١٥-٨-٢٠٢٢
مع شهر أغسطس من كل سنة تعلن إثيوبيا ملئها لسدها الذي تهدد به مصر والسودان. وكل مرة يثور الشعب المصري ويطالب الشباب منه بقصف السد وهدمه قبل أن يصبح قنبلة مائية موقوتة تنفجر وتدمر كل من مصر والسودان. وكل سنة تبدأ اللجان الإلكترونية تبث عملها على تآجيج مخاوف المصريين من إمكانية تعطيش مصر لو أغلقت إثيوبيا السد تماماً لحجز أكبر عدد من مياة الأمطار ورائه لتشغيل التوربينات في توليد الكهرباء التي هي من الأصل لديها مشاكل تقنية في العمل على توليدها.
منذ بدأت أثيوبيا التعتيم على المعلومات التقنية التي تشاركها مع دول المصب بالنسبة لسد النهضة وهناك تشكك كبير لدي مصر في سلامة بناء هذا المشروع الضخم. أساس السد كان لحجز ١٨،٥ مليار متر مكعب من المياه لتوليد الكهرباء. ولكن عندما تغير التوجه إلى توسيع سعة السد إلى ٧٤،٥ مليار متر مكعب ، بدأت المشاكل التقنية وكذلك المشاكل بين أثيوبيا ودول المصب. إعتمدت إثيوبيا في توسيع هذه السعة على جغرافية بحيرة السد التي تقع في وادي بين جبلين. ففكرت في إستخدام هذه الجغرافيا في بناء سد مكمل للسد الأصلي ويسمى بسد السرج والذي يرتفع بالجبلين ليعمق الوادي الذي يصبح بحيرة السد التي تصل إلى ٧٤،٥ مليار متر مكعب. ولم تأخذ إثيوبيا أو الشركات المنفذة لهذا السد المساعد في الإعتبار الطبيعة الجيولوجية للتربة في هذه المنطقة. فهذه المنطقة تقع فوق عدد كبير من الكهوف الضخمة جداً تحت الأرض. وهذا يعني أن زيادة ثقل المياه المتراكمة فوقها سيؤدي إلى أنهيار هذه الكهوف وتدفق المياه إلى داخلها مما يهدد سلامة السد الأصلى بتحريك الأرض من تحته. وقد حدث ذلك بالفعل منذ سنة عندما ظهرت في مجرى النيل أمواج وهذه ظاهرة نادرة جداً لا تحدث في الأنهار إلا عندما يكون هناك إنهيار أرضي تحت مجرى النهر. وإضطرت إثيوبيا إلى فتح كل بوابات السد وإطلاق أكبر كمية من مياه الفيضان ، وحتى دون إبلاغ السودان بذلك ، مما أدى إلى عدم إستعداد السودان لهذا الكم من المياه الذي تسبب في إنهيار أول سد قابلها في السودان وبالتالي في إغراق ٦٠٠ قرية سودانية. وكان هذا سيناريو عملى لما تخشاه كل من السودان ومصر من عدم إلزامية التعاون في ملء وتشغيل السد.
وحتى قبل ذلك كانت هناك مشاكل تقابل سد السرج من تسريب للمياه منه وهذا خطير جداً لأنه هو السد الأكبر ولو تم تسريب المياه منه فهذا يعني انه ليس بالإحكام الذي يجعله آمن في الإحتفاظ بهذة الكمية المهولة من المياه دون أي خطورة على دول المصب من فيضان آخر وأكبر بكثير.
ووصلنا اليوم إلى الملء الثالث والذي يعني البدء في ملء بحيرة سد السرج. وهنا مكمن الخطر. ليس في إنتقاص كمية المياه من حصة مصر والسودان ولكن من أمان هذا السد وعدم إنهياره وإغراق السودان.
ولذا قامت مصر ببعث بخطاب لمجلس الأمن التابع للإمم المتحدة تحذر فيه من الخطر الداهم مما قد يصيب سد السرج من إنهيار.
(١)
https://arabic.rt.com/middle_east/1370919-%D8%AA%D8%AD%D8%B0%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D9%86-%D9%88%D8%AC%D9%88%D8%AF-%D8%AA%D8%B4%D9%82%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D8%AE%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B9%D8%AF-%D9%84%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AB%D9%8A%D9%88%D8%A8%D9%8A/?fbclid=IwAR1wCPKGClEi9ZTVYowGCq9P681JlIb1hiY7BuzQ_4wCC-dgk1Z-zptGIo4
وهناك صور للأقمار الصناعية تظهر تشققات في البنية الخرسانيه لجزء من هذا السد المكمل وذلك حتى بدون وجود أي مياه ورائه ولا ضغط ثقل هذه المياه. وهذا إنذار خطير عن عدم سلامة هذا السد ويشير إلى إمكانية إنهياره عند الملء. وهذا يهدد سلامة وأمن كل من السودان ومصر وكان هذا هو فحوى خطاب مصر لمجلس الأمن.
(٢)
https://www.emaratalyoum.com/politics/news/2022-07-08-1.1648613
تعنت إثيوبيا في إستكمال بناء السد بهذا الحجم يرجع إلى القلاقل الداخلية الكبيرة التي تعاني منها إثيوبيا منذ فترة طويلة وصلت عدة مرات إلى حروب أهلية بين الولايات المختلفة وإلى إنهيار الإقتصاد الإثيوبي ومحاولات آبي أحمد توحيد الجبهة الداخلية ورائه بمبدأ معروف في السياسة وهو لم شمل الشعب في مواجهة عدو خارجي وحول مشروع وطني كبير يعد بالرفاهية والإستقرار. وأتخذ آبي أحمد سد إثيوبيا “العظيم” رمز لكفاح إثيوبيا للوصول إلى الرفاهية الإقتصادية وفي نفس الوقت أن أكبر وأقوى بلد إفريقي – مصر – ضد هذا الطموح المشروع لبلده وتستخدم قوتها العسكرية في تهديد إثيوبيا البطلة التي تناضل ، وتنتصر ، في وجه كل المصاعب للوصول إلى إكمال المشروع الذي سيصل بها للرخاء. ولذا نجد أن الشعب الاثيوبي يصدق كل ذلك ويستميت في التحدي ويفرح فرح عارم مع كل ملء للسد ويجدد مساندته لآبي أحمد.
وبالرغم من محاولات مصر الإلتزام بالهدوء في التعامل مع إثيوبيا والإلتزام بمبدأ التفاوض السلمي وبالإعلان عن أنها لا تعارض إطلاقاً تنمية إثيوبيا لمواردها – وحتى عرضت عليها مساعدتها في ذلك – إلا أن رد فعل الغير واعين من أبناء مصر لهذا الموضوع تسبب في تعزيز موقف إثيوبيا ومحاربة مصر في مساعيها لتسوية هذا الموضوع سلمياً. كلما ثار وطالب بعض المصريين بضرب السد وهدمه فهم يساعدون آبي أحمد في البرهنة للشعب الإثيوبي أنه هو من يحميهم من المارد المصري الذي يريد تدميرهم وإيقاف عجلة تقدمهم باستخدام مواردهم الطبيعية. فيزداد غضب الإثيوبيين على مصر وتزداد مساندتهم لآبي أحمد والسد. وبالرغم من أن الرئيس خرج عدة مرات يحاول تهدئة الشعب المصري من ناحية هذا السد ، إلا أن بعض المغرضين والكثير من المندفعين لا يستمعون إليه ولا يفهمون استراتيجيته وبالتالي يقومون بمحاربته ومساعدة إثيوبيا بتصرفاتهم الغير واعية.
(٣)
https://youtu.be/ftCeLt6g3xs
في آخر المطاف لابد من إدراك حقيقة لا يمكن الاغفال عنها وهي أن قوة الطبيعة لا يمكن إيقافها. يمكن محاولة تطويعها ويمكن محاولة إستغلالها ولكن عندما تكون بقوة وإندفاع نهر النيل الأزرق فلا يمكن تقويدها بأي شكل من الأشكال. كم المياه المتدفقة من الأمطار والتي تقع على أرض كلها إنحدارات عميقة تصب إلى أسفل في الإتجاه الشمالي ، لا يمكن تحويل هذا المسار إلا بكارثة طبيعية مثل إنشقاق الأرض. لكن ليس عبر محاولات الأنسان الضعيفة التي لا تؤثر في الصورة الكاملة.
وهذا يعني أنه مهما حاولت إثيوبيا من حجز مياه النيل الأزرق عن مصر والسودان فلن تتمكن من ذلك لأنها لا يمكنها التحكم في الطبيعة. وحتى لو حجزت أجزاء منها وفي أوقات حرجة من الجفاف ، فلن يدوم ذلك وإلا غرقت إثيوبيا نفسها. ألم يسأل المصريين أنفسهم لماذا إختارت إثيوبيا موقع السد على بعد ١٥ كيلومتر من الحدود السودانية وكان يمكنها بنائه أبعد من ذلك بكثير وأقرب لمنبع المياه مثلاً بجانب بحيرة تانا؟ هذا الإختيار ليس عشوائي بل مدروس ، لأنه لو تم إنهيار السد (وهذا وارد لنوع التربة الإثيوبية) فكل الأضرار تصيب السودان بدلاً من إثيوبيا. لو بني داخل إثيوبيا وتم إنهياره من جراء فيضان قوي ستغرق إثيوبيا بالكامل. ولذا لابد أن يطمئن المصريين أنه مهما فعلت إثيوبيا لمنع وصول مياه النيل الأزرق لمصر فلن تفلح لأنها تحارب الطبيعة.
ولا مقارنة لطبيعة نهر النيل الإزرق من كم المياه والانحدار القوي جداً لمساره ، مع باقي الإنهار التي تم تحويلها وتجفيفها في العراق رأوروبا. فطبيعة الأنهار تختلف ومصر حباها الله بوجود النيل وأن مصادره بالرغم من بعدها عن مصر ، إلا أنها بالقوة التي يكاد يكون شبه مستحيل للإنسان أن يغير من طبيعتها لأغراض سياسية أو حتى إقتصادية. ولنا عبرة في ذلك في مشروع تحويل مياه نهر الكونغو ليصب في النيل وكم المصاعب التي نواجهها في ذلك وهذا ليس لتغير مسار النهر بل لأخذ جزء بسيط من مياهه وتحويل مسارها إلى الشمال لتصل لمصر. ولذا لابد للمصريين العقلاء من الإطمئنان على حتمية سريان النيل في أرض مصر بالرغم من كل المحاولات لمعاكسة ذلك من قبل إثيوبيا. ولابد من التفهم أنه بالإندفاع في تهديد إثيوبيا إنما نعمل ضد مصلحة مصر ونساعد إثيوبيا ، فعلينا بالتزام الهدوء والتفكير المنطقي في كل ملابسات الموقف لنعرف أن القيادة تسلك الطريق الصحيح في التعامل مع هذه المشكلة وأن علينا كشعب الوعي بالإلتزام بالهدوء لأنه في آخر المطاف فالطبيعة تأخذ مجراها غصب عن الجميع. والكون له رب يحميه ومصر لها مكانة خاصة في ذلك.
حفظ الله مصرنا الحبيبة وأبنائها الواعين
روابط المقال
(١)
https://arabic.rt.com/middle_east/1370919-%D8%AA%D8%AD%D8%B0%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D9%86-%D9%88%D8%AC%D9%88%D8%AF-%D8%AA%D8%B4%D9%82%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D8%AE%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B9%D8%AF-%D9%84%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AB%D9%8A%D9%88%D8%A8%D9%8A/?fbclid=IwAR1wCPKGClEi9ZTVYowGCq9P681JlIb1hiY7BuzQ_4wCC-dgk1Z-zptGIo4
(٢)
https://www.emaratalyoum.com/politics/news/2022-07-08-1.1648613
(٣)
https://youtu.be/ftCeLt6g3xs

لإخطار شخصي برابط المقال إتبع حسابي
على صفحتي على فيسبوك
https://www.facebook.com/aidaawadlovesegypt/
وعلي تويتر
https://twitter.com.AidaNAwad
وعلي الموقع الإلكتروني
aidaawad.wordpress.com
وعلى telegram
https://t.me/joinchat/AAAAAEq9CJKOKB5-q3jBJw
وعلى MeWe
http://MeWe.com/join/aidaawad
وجروب صوت مصر••••(اصدقاء الكاتبة عايدة عوض)
https://www.facebook.com/groups/180398856924599